29 - 06 - 2024

رسالة إلى وزير الثقافة المصري| البناء أو هاوية لا قرار لها

رسالة إلى وزير الثقافة المصري| البناء أو هاوية لا قرار لها

في مصر ثورة،.. يمكن الالتفاف حولها.. نعم، يمكن خيانتها.. نعم، يمكن تشويه وجوهها البارزة قتلا وسجنا وتجريسًا إعلاميًّا.. نعم، لكن يبقى أن في مصر ثورة يؤمن كارهها قبل محبها بأنها قامت لإسقاط فساد مروع يهدر حياة المصري أو يفسدها، أو يهينها.. فساد مستشرٍ في كل القطاعات.. لا أستثنى أحدًا، وهذه الثورة لن تموت، والأجدى للحميع تحقيق مطالبها؛ لأنه بحسبة براجماتية بسيطة فإن سعر الكتاب أو السبورة أو لتر الماء أو زجاجة الدواء أو الأجر المرضي لمواطن مصري أقل من سعر قنبلة الغاز، وأن الاستماع لمطالب العمال أقل كلفة من تجريد الشرطة لقمعهم، وأن التنمية الشاملة هي السبيل الممهد الوحيد لدولة قوية، وأن مصر تحيا بسواعد أبنائها لا بمعونات وهبات لا يعرف المصريون متى أتت ولا فيما صرفت، وأن الثقافة الحقة هي الحل لمواجهة هذا الاختلال القيمي الصارخ تطرفًا دينيا وشذوذًا أخلاقيا.

من هنا تأتي أهمية وزارة الثقافة، ولا يعنيني أن اختيار الوزير جاء مفاجئًا وسريا؛ فالجميع يعلم إن رئيس هيئة فاسد كان كلما علم بقيام محلب بمقابلة مرشح للوزارة، اتصل برجاله فدبجوا البيانات المنددة،  وليس في كون الرجل أزهريا إلا كل فخر فالطهطاوي ومحمد عبده أزهريان، ولا يعنيني أنه  بلا تاريخ كبير؛ فنجن لسنا بحاجة إلى سارتر ولا إلى العقاد.. نحن بحاجة إلى وزير يدرك موجبات مكانه ويلتزم بها.. ودورنا أن نكشف له ما نرى، وأن نبقى دائما يسار السلطة بالمعنى الثقافي أي نكون نقادا لا ناقضين، وأن ندعم المستقبل ما استطعنا.

(?)

أمام وزير الثقافة طريقان؛ المواءمة ،أو المواجهة، ومع الأول سيبقي على رءوس الفساد الذين تم الإبقاء عليهم في الوزارت السابقة، وعلى الحيل الثاني الذي تسرع عصفور بوضعهم في الأماكن القيادية الثانية؛ نواب رؤساء ومديرين ومشرفين.. وعيب هذا الخيار هو أن الوزير الجديد سيكتشف بعد مدة أنه عاجز عن اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية.. فالفساد كالكفر ملة واحدة... لذلك فتعيين كفاءات جديدة، وانتداب رؤساء محترمين هو الخيار الآمن.

(?)

هناك ملفات فساد لدى النيابة الإدارية بهذا صرح وزير سابق حين أطاح برئيس هيئة الكتاب، ووقتها اعترض المثقفون على طريقة الوزير لا على جوهر فعلته،  ونحن الآن نريد التحقيق والتحقق، كما أن مجلة الأهرام العربي نشرت ملفات كاملة عن  الفساد في الوزارة وعلى رأسها الفساد الذي يزكم الأنوف في هيئة الكتاب.. فهل يقوم الوزير بتجاهل هذا كله أو يحيل القضايا إلى هيئة الرقابة الإدارية باعتبارها الهيئة المنوط بها التحقيق في فساد كبار الموظفين؟ وينهي انتداب هذا الرئيس وأمثاله حتى لا يؤثروا علي سير التحقيقات.. إلى أن تطهر النتيجة.

(?) 

للوزارة شقان؛ فني وإداري؛ فهل سيستطيع  الوزير عمل عقد شرف مع الموظفين - ومعظمهم مبدعون - فيمنحهم حقوقهم الكاملة اويؤدون أعمالهم على أكمل وجه؟ 

(?)

الثقافة ليست ترفًا، وليست صدامًا مع الدين، فكيف نصل بالثقافة إلى المواطن العادي بشكل يجعله يحب الفن  والأدب ويفخر بهما، ويستخدم التفكير التقدي والإبداعي في شؤونه اليومية؟

(?)

لدينا ثروة هائلة من الكتب والأفلام وعروض الأوبرا والمتاحف والمعارض؛ فكيف يمكن استثمار هذه الثروة عبر النشر الإلكتروني والصناعات الإبداعية؟

(?)

الدولة بإنتاجها الأدبي والفني تصنع حدا مرئيا ومرعيا فهل ستعود الدولة من خلال وزارة الثقافة إلى إنتاج أفلام ومسلسلات؟ هل سيكون للدولة دور رقابي رشيد على المسلسلات والأفلام؟ الرقابة ليست بمعنى الحجر ولكنها بمعنى لفت النظر إلى سياق المجتمع وظروفه وطموحاته وفق منطلقات متفق عليها وآليات تتسم بالعلمية والشفافية والنزاهة.

(?)

وجود وزارة الثقافة على الإنترنت مخز جدا، برغم كثرة مواقعها الإلكترونية، ووجود إدارات للتشر الإلكتروني في كل قطاع وهيئة.. وكل ما هو مطلوب هو تفعيل هذه المواقع، وعمل هذه المراكز.

(?)

الملحقون الثقافيون والمطبوعات المصرية والفرق الفنية وجه يمكن أن يكون مشرقًا ومفيدًا لمصر إذا ما تغيرت طريقة اختيار الملحقين فآلت إلى الوزارة وصاراختيارهم بناء على منتجهم الأدبي بدلا من أن ترشح الجامعات أساتذة بنظام الدور؛ فنجد مثلا أن الملحق الثقافي في أمريكا دكتور في الأمراض الجلدية.. كما أن المطبوعات الثقافية بحاجة إلى إعادة نظر للوصول إلى ثلاث مجلات لجذب القارئ العربي، 

(?) 

تمت شخصنة أمور كثيرة في الفترة السابقة؛ فصرح عصفور بأن مجاهد ابنه، وأطاح بمسعود شومان من رئاسة قصور الثقافة (بعد رفض شومان تحجيم النشر في الهيئة كما أراد الوزير) بعد حكم ابتدائي، ثم عين محمد عبدالحافظ ناصف وهو ممن يطبق عليهم الحكم ذاته.. وتضاربت تصريحات الوزير السابق وتراجع عن كثير منها، مثل رأيه في الشؤون الهندسية بهيئة قصور الثقافة في كلمة المعرض، ثم في تصريحات سابقة أبرزها ما نقله عنه ناصف في مكالمة هاتفية، ونشره اليوم السابع، وقام ناصف بتعليقه في لوحة الإعلانات في الهيئة.

(??)

إيجاد علاقة حقيقية مع الوزارات  ذات العلاقة أمر شديد الأهمية؛ فلدى وزارة الثقافة على سبيل المثال  سلسلة آفاق عالمية وسلسلة الذخائر وسلسلة ذاكرة الكتابة، وهي سلاسل تحتاج إليها مكتبات المدارس والكليات.. الثقافة فأس ودواء..  كان ثمن الكتاب الصادر عن المركز القومي للترجمة في معرض الكتاب جنيهًا واحدًا علما بأن المركز يدفع لقاء ترجمة صفحة واحدة مائة جنيه.. هل كان هذا سيحدث لو أننا مرتبطون بالوزارت ذات العلاقة؟

(??)

لجان الوزارة ومنها؛ لجنة مكتبة الأسرة، مجالس الأمناء، لجان المجلس الأعلى، تحولت إلى هبات ومنح لبعض الأشخاص المكررين؛ لذلك فإن تطبيق قاعدة منضبطة: لماذا أنت هنا؟ بات ضرورة حتمية.

(??)

للتعبير الشعبي رغم تدنيه لفظًا أثرٌ بالغ لذلك فإني أقوله باطمئنان: "اللبس على وساخة بيجيب تسلخات" وإن استأت فاسمع للبحتري: 

إذَا مَا الْجُرْحُ رُمَّ عَلَى فَسَادٍ ...... تَبَيَّـنَ فِيـهِ تَفْـرِيطُ الطَّبِيـبِ.

رَزِيَّةُ هَـالِكٍ جَلَبَتْ رَزَايَـا ...... وخَطْبٌ بَاتَ يَكْشِفُ عَنْ خُطُوبِ

يُشَـقُّ الْجَيْبُ ثُمَّ يَجِيءُ أَمْرٌ ...... يُصَغَّـرُ فِيهِ تَشْقِيـقُ الْجُيُـوبِ

وأظن بشارا جاء بالمعنى نفسه: 

متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامه.... إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدم

واعلم أنك تحكم على تاريخك ومستقبلك، وأنك الآن إن استبعدت شخصا لمخالفاته فلن يعترض أحد، أما إن تركته فجراح الضحايا فم، ولا تنس سيدي: في مصر ثورة.

مقالات اخرى للكاتب

مي الكيلة : الفلسطينيات هن الأكثر معاناة بسبب إرهاب الاحتلال في غزة





اعلان